كهف الطيور وكهف النعامة في وادي زازا، من مواقع ما قبل التاريخ في الجبل إلاخضر
يعد وادي زازا (جازا) من أهم مواقع النقوش الصخرية التي ترجع إلى عصور ماقبل التاريخ في شرق ليبيا، هذه النقوش التي جسدت على جدران كهفين كشف عن أحدهما في عام 1972 والآخر عام 1990 بواسطة مكتب آثار العقورية في وادي زازا الذي يقع على مسافة حوالي 60 كم للشرق من مدينة بنغازي، إلى الجنوب من قرية المبني وبرسس ويمكن الوصول إليه عبر طريق يمتد إلى الجنوب من القريتين.
وتنتشر على جانبي هذا الوادي ـ الذي يمتد بطول 120 كم ـ عدة كهوف صخرية كانت مجإلا لنشاط إلانسان منذ عصور ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية القديمة، ويحتاج الوادي إلى أعمال مسح ودراسة أثرية شاملة حتى يتبين حضارة هذا الوادي وإلاودية الآخرى بالجبل إلاخضر التي كانت مقرا لحضارة إلانسان الليبي عبر عصوره المختلفة.
وسيكون الحديث هما عن كهفين من كهوف هذا الوادي عثر بهما على نقوش صخرية وبقايا أخرى.
كهف الطيور “حجف القطارة”
يقع الكهف الأول على الجانب الشرقي من الوادي في مكان مرتفع يمكن الوصول إليه بواسطة التسلق من قعر الوادي، ويتكون الكهف من تجويفين إحداهما على يسار المدخل وهو أقل عمقاً من التجويف الآخر على يمين المدخل، ويلاحظ وجود كوات منحوتة في جدرانه، عرف هذا المكان باسم كهف الطيور او حجف القطارة، والتسمية الأولى يبدو أنها بسبب رسوم الطيور التي نقشت على جدران الكهف.
وأول زيارة علمية للكهف قامت بها استاذة النقوش جويس رينولدز عام 1974 برفقة أ. عبدالحميد عبدالسيد وملاحظ مكتب آثار توكرة آنذاك بغرض معاينة الكهف و لاسيما النقوش إلاغريقية التي كانت منقوشة إلى جانب الرسوم الصخرية، ولم تنشر نتائج تلك الزيارة إلا في عام 1997 في العدد الثالث من السلسلة الجديدة من مجلة (ليبيا القديمة) ص. 47-50 ، و يوجد بمكتب آثار العقورية تقرير عن تلك الزيارة استفاد منه أ. سعد بوحجر عندما قام بدراسة الرسوم الصخرية في ذلك الكهف في رسالته للماجستير.
تركزت النقوش الصخرية على جدران الكهف وسقفه، وقد تمثلت في مجموعة من الطيور ذات المناقير الطويلة وقد نقشت بأشكال مختلفة بعضها رسم بشكل مقلوب، لعلها تمثل طائر الحجل، وهناك أشكال طيور أخرى غير واضحة نقشت في أماكن مختلفة من الكهف، إلا أن أبرز الحيوانات المنقوشة غزال على سقف التجويف إلايسر، أما عن تاريخ هذه النقوش فإنه قبل موت تشارلز ماكبرني رائد دراسات ماقبل التاريخ في ليبيا شاهد صور تلك النقوش الصخرية ونسبها إلى أسلوب الحضارة أو الثقافة القفصية التي بدأت في بداية الألف الخامسة ق.م.، وبصورة عامة ترجع إلى عصر الرعي أو الرعاة.
أسماء إغريقية
أما النقوش الكتابية إلاغريقية فقد حصرتها رينولدز في 12 مجموعة نقشت بشكل رديء إلى جانب الطيور والغزال، يلاحظ أن غالبية تلك الكتابات تمثل أسماء معظمها إغريقي مثل كاليماخوس و ديديموس و اريماس و خاريلاس، بعضها ذات أصل لاتيني مثل بوبليوس و بروكلوس، وبعضها قد يكون أصله ليبي مثل أديداس، هذه إلاسماء نقشت بايدِ مختلفة اقدمها يرجع إلى القرن الثالث ق.م. وبعضها يرجع إلى العصر الروماني، ربما نقشت لأسباب دينية حيث لايوجد دليل أن الكهف قد استعمل للسكن أو للدفن.
وعلى خلاف ذلك ربما كان الكهف مكان للتعبد على غرار كهوف صخرية أخرى إنتشرت في الجبل إلاخضر مثل كهوف وادي بلغدير في شحات و كهوف المحاريث وحقفة الخزاعلية في وادي صنب والتي وجدت بها أدلة تربطها بمعتقدات الليبيين، وفي كهف الطيور وجدت إشارة إلى مؤله ليبي يسمى جوبا (Gobba) ربما كانت تقدم إليه التقدمات والقرابين في هذا الكهف، ومما يؤكد هذا وجود عبارات تشير إلى النذور والصلاة والتعبد على جدران الكهف، أما لماذا كتبت الكلمات بإلاغريقية فيبدو أن المتعبدين في هذا الكهف كانوا من السكان الليبيين القاطنين في هذه المنطقة او قرب منها، والذين أخذوا بعادات إلاغريق و لغتهم.
كهف النعامة
أما الكهف الثاني الذي يقع على الجانب الغربي للوادي وعلى ارتفاع شاهق، إلى الشمال من السد المقام في هذا الوادي، وقد اكتشف من ناحية اثرية في 22/7/1990 عندما كان كاتب المقالة أميناً لمكتب آثار العقورية يقوم برفقة الباحث بمراقبة آثار بنغازي آنذاك أ. سعد ابوحجر بالبحث عن كهف الطيور لتوثيقه فقادتهما الصدفة إلى اكتشاف كهف آخر مليئ بالنقوش الصخرية، قاما بزيارته أكثر من مرة لتوثيق الأعمال الفنية المنقوشة على جدرانه وأخذ أبعاده، هذه الأعمال التي كانت الركيزة التي استند عليه أ. بوحجر في رسالته للماجستير التي شملت دراسة الكهف ونقوشه وتحليلها، كما قام فريق من مراقبة آثار بنغازي بزيارة للكهف في شهر يناير 2010 وقاموا بتصوير نقوشه، وصور المنشورة هنا هي جزء من الصور التي التقطها مصور المراقبة طارق تيكه لكهف النعامة.
أطلق المكتشفان تسمية “كهف النعامة” على هذا الكهف بسبب وجود رسم منقوش كبير الحجم لطائر النعامة، وهنا أول ظهور للنعامة في نقوش ما قبل التاريخ في شرق ليبيا. وقد جسدت النقوش على الجدار المقابل للمدخل، ولم توجد أي نقوش على السقف، ويبدو ان هذا الموقع استغل في العصر إلاغريقي والروماني يستدل على ذلك من خلال انتشار شقف فخارية امام الكهف اضافة إلى وجود صهريج مبطن بجانب الكهف ربما استغل للتخزين.
أكثر وضوحاً
ويلاحظ أن نقوش هذا الكهف أكثر وضوحا وحفظا من نقوش الكهف الأول، كما أنها تتميز بكبر حجمها ولاسيما المجموعة الأقدم حيث يوجد بالكهف نقوش ترجع إلى فترتين حضارتين، الأقدم التي ربما ترجع عصر الرعي او الرعاة وإلى الحضارة القفصية او أقدم من ذلك وتمثلت نقوشها في حيوانات متنوعة من بينها نعامة تعدو باتجاه اليسار، وهناك بقرة خلفها عجل يركض نحوها، ومشهد بقرة أخرى، إضافة إلى ثلاثة غزلان أحدهم صغير، يلاحظ وجود بعض الطيور وحيوانات أخرى منقوشة ولكنها غير واضحة، وقد ظهرت هذه الحيوانات في مشاهد متنوعة أغلبها متحركة وليست ثابتة، ويمكن مقارنتها بالرسوم الصخرية في منطقة أكاكوس وغيرها من مواقع الفن الصخري في ليبيا.
أما النقوش الصخرية الأحدث زمناً فهي أقل عدداً وأصغر حجماً وأسلوب تنفيذها مختلف، وأقل حرفية مقارنة بالرسوم المنقوشة الأقدم، وقد نقشت أسفل المجموعة الأولى، ومن مشاهد هذه المجموعة حصان عليه سرج، وكلب، وذئب ورسم لجندي يحمل سيف وترس، ويعد هذا الرسم أول ظهور للاشكال الآدمية في الرسوم الصخرية في شرق ليبيا، ومن خلال الأسلوب الفني وتحديداً رسم الأشكال بالطريقة الظلية الحالية من التفاصيل التشريحية يبدو أن تاريخها يرجع ما يعرف بفترة الحصان التي بدأت منذ منتصف الألف الثانية ق.م.
58 - 58Shares
تعليقات فيسبوك