مقالات

جدارية جون بريل في البردي

خليفة البشباش – أنس أبو ميس

الحرب ..

في نهاية العام 1940 امتدت الحرب العالمية الثانية التي اندلعت في أوربا لتصل إلى ليبيا ودول عدة في شمال افريقيا، شن البريطانيون وحلفائهم – الذين كانوا يحتلون مصر آن ذاك – هجوما بقيادة “أرشيبالد ويفل” على القوات الإيطالية التي تحتل ليبيا في عملية سميت بـ”عملية البوصلة” ردا على هجمات الإيطاليين بقيادة “رودولفو جراتسياني” على مواقع بريطانية في إفريقيا، وكان ذلك فقط بداية الحرب في مسرح شمال افريقيا والتي استمرت حتى سنة 1943 بين قوات الحلفاء وفي مقدمتها البريطانيون ودول الكومنولث، وقوات المحور التي يمثلها الإيطاليون والألمان لتشهد معارك دامية وفصول حرب مميتة طويلة.

البردي ..

البردي أو البردية قرية وميناء قرب طبرق أقصى شرق ليبيا، اكتسبت أهمية وشهرة كبيرة في الحرب حيث كانت بالإضافة الى طبرق مواقعا استراتيجية هامة تبادل الطرفان السيطرة عليها وقصفها واستهدافها، سيطرت عليها قوات الحلفاء في يناير سنة 1941 ، وفي شهر ابريل من سنة 1941 وقعت معارك عنيفة بينهم و بين القوات الألمانية و الايطالية، حيث حاصرت هذه القوات الحلفاء حتي نوفمبر من نفس السنة، و سميت عملية فك الحصار بعملية كروسيدر “operation crusader” . و لكن في يونيو سنة 1942 استطاع رومل قائد الفيلق الافريقي الألماني الاستيلاء على البردي وطبرق حتي نوفمبر من ذات السنة ثم استولت عليها مجددا قوات الحلفاء واستمرت ببسط سيطرتها على المنطقة حتى نهاية الحرب.

 جون فريدريك بريل وجداريته في البردي ..

جون فريدريك بريل هو جندي بريطاني شارك في الحرب العالمية الثانية حيث تم إرساله إلى مسرح شمال إفريقيا للمشاركة في المعارك الدائرة هناك وقد أقام في منطقة البردي ومدينة طبرق فترة طويلة، قتل جون في معركة “العلمين” سنة 1942 ودفن هناك عن عمر لم يتجاوز 22 سنة، وحيث لم تميزه رتبته الصغيرة أو أعماله في الحرب فقد اكتسب شهرته النسبية من موهبته الفنية وجداريته التي رسمها داخل مبنى في البردي والتي حازت اهتمام وإعجاب الكثيرين ولا زالت تجذب أنظار بعضهم حتى أيامنا هذه ..المبنى الذي عرف باسم “غرفة الجندي بريل” والذي توجد بداخله لوحته الجدارية

تكتب والدة الجندي جون بريل بعد مقتله في رسالة :-

(عندما كان جون صبياً، كان دائماً يرسم. وبعد أن أتم المدرسة، دخل معهد سانت ريجنت لدراسة الفنون. ومن ثم درس في الكلية الملكية. كان قد اجتاز للتو امتحان القبول لدراسة دبلوم يمتد لثلاث سنوات في الكلية الملكية للفنون عندما اندلعت الحرب في 1939، وبالطبع اضطر للانخراط فيها. بحلول هذا الوقت صار الفن شغفه الرئيس في الحياة، وصارت الجداريات بالذات حبّه الخاص. كان معتقده هو أنه ليصير فناناً عظيماً فإن عليه أن يعاني. ولذلك انضم إلى قوات المشاة، ظاناً أنها الأقسى والأصعب. بعد مرورها عبر دنكيرك  Dunkirk أرسلت كتيبته إلى الشرق الأوسط، ولكن خلال أشهر معدودة نُقل إلى فيلق الخدمات بالجيش الملكي R.A.S.C)


مشهد للرسم الجداري لجون بريل في البردي

على جدران مبنى صغير شيد على الجرف الصخري قرب ميناء البردي أبدع بريل برسم جدارية كبيرة لاشك أنها أخذت من وقته واهتمامه الكثير، يعتقد أنه كرسها في الأساس لتصوير مآسي وأهوال الحرب حيث يتكرر مشهد الجماجم، لكن بالإضافة إلى ذلك ثمة العديد من المشاهد الأخرى ربما بعضها يمثل ذكريات من حياته ومنزله، إضافة لراقصات الباليه، وآلة بيانو، طاولة ورموز موسيقية، وكذلك مجموعة كتب تمثل أهم أعمال تشارلز ديكنز أحد أعظم الروائيين الانجليز وهي “قصة مدينتين” و “ديفيد كوبرفيلد” و “بارنابي رودج” و “متجر الفضول القديم”.

على اليمين توقيع الجندي الرسام “ج بريل” تحت منظر الجماجم، وعلى اليسار أعمال تشارلز ديكنز 

تكتب والدة بريل :
“يبدو أن جون كان يرسم في كل فرصة. أتخيل أن الحياة في الفيلق كانت أكثر ركودا منها في قوات المشاة وبالتالي، لا بد أنه كان تحت ملاحظة الضباط، الذين دعوه لتزيين جدرانهم”

التدهور والترميم ..

بنهاية الحرب العالمية الثانية هجر المكان الذي عرف لاحقا بغرفة الجندي بريل، وبمرور السنين وتأثرا بالعوامل المناخية والبشرية تدهورت حالة الجدارية ومحيت بعض رسوماتها، وهو ما استدعى اهتمام مجموعة من الأثريين من إيطاليا وغيرها والذين تدخلوا لإنقاذها وترميمها لتبقى معلما فنيا وتاريخيا في مكان معزول يروي فصلا هاما ومؤلما من تاريخ العالم ومآسي حروبه.

شارك
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  • 283
  •  
    283
    Shares

تعليقات فيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *