تعتبر كتب الرحلات جامعة بين الأدب والتاريخ، وقد استحوذت على اهتمام واسع من القراء في العالم كله عبر العصور، والمهتم بالتاريخ الليبي يجد أمامه كمّا لا بأس به من كتب الرحالة الذين زاروا ليبيا ودونوا مذكراتهم وكتبهم ودراساتهم حولها، في القرن التاسع عشر ازدهرت هذه الرحلات التي استهدفت ليبيا أحيانا بشكل مباشر وأحيانا كطريق نحو عمق افريقيا، فليبيا ومدنها كما سماها بعض الرحالة “بوابة الصحراء”.
من أبرز نتائج هذا الاهتمام انشاء جمعية لندن المتخصصة للاستكشاف في افريقيا، وقد قامت بإيفاد العشرات من الرحالة إلى بلدان افريقية شتى، وجذبت إليها معظم الأوربيين المهتمين بالاستكشاف والتاريخ وذوي الاطلاع الواسع بأحوال افريقيا وتاريخها، قد تكون التوجهات الاستعمارية واحدة من الدوافع لإنشاء هكذا جمعية تعنى بجمع أكبر كم من المعلومات الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية عن البلدان الافريقية، وقد يكون حب الاكتشاف والرحلة دافعا أيضا، لكن المهتم والقارئ اليوم يدين بالكثير من الفضل لأولئك الرحالة في معرفة الكثير من أحوال وتاريخ وأحداث القرنين الماضيين بالخصوص، لما احتوته كتبهم من مشاهدات وملاحظات وحكايات غاية في الأهمية.
غوستاف ناختيغال
الرحالة الألماني الدكتور غوستاف ناختيغال قادته حالته الصحية وإصابته بالربو إلى الاستقرار في شمال افريقيا، بدأ رحلته في ليبيا سنة 1869 فزار طرابلس وبني وليد ومرزق وسبها والقطرون ومدنا عديدة في الجفرة وفزان، جاء وصف نسخة مكتبة الكونغرس لكتابه في المكتبة العالمية:-
“كتابه (الصحراء وبلاد السودان) هو وصف مفصَّل لرحلة عبر الصحراء الكبرى استغرقت ست سنوات قام بها في 1869-1875 المستكشف الألماني غوستاف ناختيغال (1834-1885). وُلد ناختيغال لقسٍّ لوثري ببلدة آيِشْشتَدْت في ولاية سكسونيا-أنْهالت وتدرّب ليصبح طبيباً ومارس مهنته لعدة سنوات كجرّاح عسكري في كولونيا. وبعد أن أصيب بداءٍ عضال في الرئة، سافر في أكتوبر 1862 إلى بونه (عنابة الحالية) بالجزائر على أمل الاستشفاء في طقس دافئ جاف. بعد ذلك بعام غادر إلى تونس، حيث أقام لعدة سنوات ومارس الطب وتعلَّم العربية.
إلى نيجيريا
كان ناختيغال على وشك العودة إلى ألمانيا حينما طلب منه المستكشف الألماني غيرهارد رولفْس أن يذهب في مهمَّة إلى مملكة بورنو، التي كانت تقع في الجزء الشمالي لنيجيريا الحالية، وذلك نيابةً عن ملك بروسيا فِلهلم الأول. كان فلهلم يريد أن يشكر سلطان بورنو على العطف الذي أولاه للمستكشف الألماني هاينرش بارت (1821-1865). قبِل ناختيغال التكليف وغادر في فبراير 1869 مرتحلاً عبر الصحراء في معية ستة رجال وثمانية جمال. يسرد المجلد الأول من سَهارا أُند زُودان، الذي نُشر في 1879، الجزء الأول من تلك الرحلة، التي قادته من طرابلس (ليبيا الحالية) عبر فزّان في جنوب غرب ليبيا وإقليم تبستي (الواقع حالياً في ليبيا وتشاد والنيجر)، ومن ثم إلى بورنو، حيث قدّم هدايا من الملك البروسي إلى السلطان.
تشاد والسودان
المجلد الثاني من الكتاب، الذي نشر في 1881، يغطي الجزء الثاني من الرحلة، من بورنو إلى سلطنة باغيرمي (تشاد الحالية) ثم إلى تمبكتو (مالي الحالية). أما المجلد الثالث، الذي نشر في 1889، أي بعد أربع سنوات من رحيل ناختيغال، فهو يسرد الجزء الأخير من البعثة، من ودّاي (في شرق تشاد الحالية) عبر دارفور (في غرب السودان الحالي) وأخيراً إلى الخرطوم على نهر النيل.
قطع ناختيغال إجمالاً حوالي 10,000 كيلومتر، متنقلاً في أجزاء من إفريقيا لم تطأها قدم أي أوربي قبله. يُعتبر ناختيغال أحد أعظم مكتشفي إفريقيا الأوربيين، فهو يظل مثل مواطنه بارت، محل احترام كبير لغزارة علمه وملاحظاته الدقيقة وجهوده لفهم الشعوب التي تنقَّل بينها. ولا يزال سَهارا أُند زُودان يمثل مصدراً تاريخياً هاماً لتلك البلاد الشاسعة التي تنقَّل عبرها ناختيغال”.
القطرون كما رسمها غوستاف ناختيغال
قلعة مرزق كما رسمها غوستاف ناختيغال
لوحة واحة سبها، من كتاب ناختيغال
تعليقات فيسبوك